
رغم الدور السلبي الذي لعبته المملكة العربية السعودية في بدايات الحرب، والمتمثل في منع السفن السودانية من العبور عبر مياهها الإقليمية، فإنها تُعد من أوائل الدول التي أعادت فتح سفارتها في السودان، عقب شروع الجيش في بسط سيطرته على مساحات واسعة من البلاد، وما رافق ذلك من مؤشرات على عودة الاستقرار التدريجي للدولة.
ولا يمكن للمملكة أن تتجاهل ما قدمه الشعب السوداني من مواقف تاريخية، لاسيما مشاركته في عاصفة الحزم، استجابة لنداء حماية بيت الله الحرام، وهو ما يعكس عمق الارتباط الديني والوجداني بين الشعبين. فالمملكة، بوصفها مهبط الوحي وقبلة المسلمين، تحتل مكانة روحية خاصة تجعل حسن الظن بها قائمًا من هذا المنطلق.
إلا أن السياسة، بطبيعتها، تُدار بمنطق المصالح، وقد تسعى السعودية إلى لعب دور موازن أو بديل لدولة الإمارات في بعض الملفات الإقليمية. ومع ذلك، يظل الدور السعودي دورًا رياديًا، لما تحظى به المملكة من قبول ديني وتاريخي واسع في العالم الإسلامي، فهي ليست دولة حديثة النشأة، بل تمتلك رصيدًا حضاريًا وسياسيًا متجذرًا لدى شعوب الأمة.
وبحكم مكانتها كقبلة للمسلمين ومركز للعالم الإسلامي، لا تحتاج المملكة إلى التوسع أو إثبات النفوذ، إذ تشكل بطبيعتها محورًا روحيًا وسياسيًا فريدًا.
ورغم ذلك، فإن العلاقة السودانية–السعودية في المرحلة الراهنة تشوبها بعض الشوائب، لعدة أسباب؛ أولها وجود المملكة ضمن ما يُعرف بالرباعية، التي تضم دولة الإمارات، والتي يُنظر إليها باعتبارها طرفًا لعب دورًا تخريبيًا في عدد من الدول العربية، من بينها السودان واليمن وليبيا وتونس والجزائر والصومال. وثانيها موقف السعودية في بدايات الحرب، حيث يُفهم أن منع عبور السلاح عبر مياهها الإقليمية جاء بدافع عدم إطالة أمد الصراع، وإن كان ذلك قد أضعف موقف الجيش في حينه.
أما السبب الثالث، فيتمثل في اتفاق جدة، الذي لم يُستخدم فيه الضغط الكافي على الفصيل المتمرد، بل انصبت بنوده على الحكومة والشعب، رغم أن الدولة كانت في موقف قوة، قبل أن يتمكن الشعب لاحقًا من قلب المعادلة لصالح الشرعية. ويضاف إلى ذلك محاولات فرض شخصيات واتفاقات سياسية رفضها الشارع السوداني صراحة، مثل إعادة طرح حمدوك، وفرض هدن ووقف إطلاق نار لا تخدم مصلحة الدولة.
ورغم كل هذه التعقيدات، فإن السودانيين لا يرغبون في أن يتحول التقارب الحالي إلى خصومة عقدية أو ثقافية أو اجتماعية، فالشعب السعودي من أكثر شعوب الأرض محبة للشعب السوداني، وما يفرق بين البلدين هو تباينات السياسة لا غير.
واليوم، ومع مؤشرات التقارب السياسي، بدءًا من زيارة رئيس الوزراء، مرورًا بالتفاهمات الاقتصادية، وزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة وما أعقبها من تصريحات، وصولًا إلى زيارة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تلوح في الأفق بوادر انفراج على مختلف الأصعدة.
كما أن ما يجمع البلدين من مصالح استراتيجية في البحر الأحمر، وما يزخر به من ثروات وأهمية أمنية، يمثل رابطًا قويًا لإعادة بناء علاقة متوازنة ومستقرة، قائمة على المصالح المشتركة، وبما يخدم تطلعات ومصالح الشعبين الشقيقين.





